الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **
في أمم العالم واختلاف أجيالهم والكلام على الجملة في أنسابهم اعلم أن الله سبحانه وتعالى اعتمر هذا العالم بخلقه وكرم بني آدم باستخلافهم في أرضه وبثهم في نواحيها لتمام حكمته وخالف بين أممهم وأجيالهم إظهاراً لآياته فيتعارفون بالأنساب ويختلفون باللغات والألوان ويتمايزون بالسير والمذاهب والأخلاق ويفترقون بالنحل والأديان والأقاليم والجهات. فمنهم العرب والفرس والروم وبنو إسرائيل والبربر ومنهم الصقالبة والحبش والزنج ومنهم أهل الهند وأهل بابل وأهل الصين وأهل اليمن وأهل مصر وأهل المغرب. ومنهم المسلمون والنصارى واليهود والصابئة والمجوس. ومنهم أهل الوبر وهم أصحاب الخيام والحلل وأهل المدر وهم أصحاب المجاشر والقرى والأطم. ومنهم البدو الظواهر والحضر الأهلون. ومنهم العرب أهل البيان والفصاحة والعجم أهل الرطانة بالعبرانية والفارسية والإغريقية واللطينية والبربرية. خالف أجناسهم وأحوالهم وألسنتهم وألوانهم ليتم أمر الله في اعتمار خصوصياتهم ونحلهم. فتظهر آثار القدرة وعجائب الصنعة وآيات الوحدانية إن في ذلك لآيات للعالمين. واعلم أن الامتياز بالنسب أضعف المميزات لهذه الأجيال والأمم لخفائه واندراسه بدروس الزمان وذهابه. ولهذا كان الاختلاف كثيراً ما يقع في نسب الجيل الواحد أو الأمة الواحدة إذا اتصلت مع الأيام وتشعبت بطونها على الأحقاب كما وقع في نسب كثير من أهل العالم مثل اليونانيين والفرس والبربر وقحطان من العرب. فإذا اختلفت الأنساب واختلفت فيها المذاهب وتباينت الدعاوى استظهر كل ناسب على صحة ما ادعاه بشواهد الأحوال والمتعارف من المقارنات في الزمان والمكان وما يرجع إلى ذلك من خصائص القبائل وسمات الشعوب والفرق التي تكون فيهم منتقلة متعاقبة في بنيهم. وسئل مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يرفع نسبه إلى آدم فكره ذلك وقال من أين يعلم ذلك فقيل له فإلى إسماعيل فأنكر ذلك وكره أيضاً أن يرفع في أنساب الأنبياء مثل أن يقال: إبراهيم بن فلان بن فلان وقال من يخبره به. وكان بعضهم إذا تلا قوله تعالى: " والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله " قال: كذب النسابون. واحتجوا أيضاً بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه الكريم إلى عدنان قال " من ههنا كذب النسابون ". واحتجوا أيضاً بما ثبت في أنه علم لا ينفع وجهالة لا تضر إلى غير ذلك من الاستدلالات. وذهب كثير من أئمة المحدثين والفقهاء مثل ابن إسحق والطبري والبخاري إلى جواز الرفع في الأنساب ولم يكرهوه محتجين بعمل السلف فقد كان أبو بكر رضي الله عنه أنسب قريش ومضر بل ولسائر العرب وكذا ابن عباس وجبير بن مطعم وعقيل بن أبي طالب وكان من بعدهم ابن شهاب والزهري وابن سيرين وكثير من التابعين. قالوا وتدعو الحاجة إليه في كثير من المسائل الشرعية مثل تعصيب الوراثة وولاية النكاح والعاقلة في الديات والعلم بنسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه القرشي الهاشمي الذي كان بمكة وهاجر إلى المدينة فإن هذا من فروض الإيمان ولا يعذر الجاهل به. وكذا الخلافة عند من يشترط النسب فيها. فهذا كله يدعو إلى معرفة الأنساب ويؤكد فضل هذا العلم وشرفه فلا ينبغي أن يكون ممنوعاً. وأما حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم لما بلغ نسبه إلى عدنان قال: من ههنا كذب النسابون " يعني من عدنان. فقد أنكر السهيلي روايته من طيق ابن عباس مرفوعاً وقال الأصح أنه موقوف على ابن مسعود. وخرج السهيلي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " معد بن عدنان بن أدد بن زيد البري بن أعراق الثرى ". قال وفسرت أم سلمة زيداً بأنه الهميسع والبري بأنه نبت أو نابت وأعراق الثرى بأنه إسماعيل وإسماعيل هو ابن إبراهيم وإبراهيم لم تأكله النار كما لا تأكل الثرى. ورد السهيلي تفسير أم سلمة وهو الصحيح. وقال إنما معناه معنى قوله صلى الله عليه وسلم " كلكم بنو آدم وآدم من تراب ". لا يريد أن الهميسع ومن دونه ابن لإسماعيل لصلبه وعضد ذلك باتفاق الأخبار على بعد المدة بين عدنان وإسماعيل التي تستحيل في العادة أن يكون فيها بينهما أربعة آباء أو سبعة أو عشرة أو عشرون لأن المدة أطول من هذا كله كما نذكره في نسب عدنان فلم يبق في الحديث متمسك لأحد من الفريقين. وأما ما رووه من أن النسب علم لا ينفع وجهالة لا تضر فقد ضعف الأئمة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثل الجرجاني وأبي محمد بن حزم وأبي عمر بن عبد البر وألحق في الباب أن كل واحد من المذهبين ليس على إطلاقه فإن الأنساب القريبة التي يمكن التوصل إلى معرفتها لا يضر الاشتغال بها لدعوى الحاجة إليها في الأمور الشرعية من التعصيب والولاية والعاقلة وفرض الإيمان بمعرفة النبي صلى الله عليه وسلم ونسب الخلافة والتفرقة بين العرب والعجم في الحرية والاسترقاق عند من يشترط ذلك كما مر كله وفي الأمور العادية أيضاً تثبت به اللحمة الطبيعية التي تكون بها المدافعة والمطالبة. ومنفعة ذلك في إقامة الملك والدين ظاهرة. وقد كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينسبون إلى مضر ويتساءلون عن ذلك. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم. وهذا كله ظاهر في النسب القريب وأما الأنساب البعيدة العسرة المدرك التي لا يوقف عليها إلا بالشواهد والمقارنات لبعد الزمان وطول الأحقاب أو لا يوقف عليها رأسا لدروس الأجيال فهذا قد ينبغي أن يكون له وجه في الكراهة كما ذهب إليه من ذهب من أهل العلم مثل مالك وغيره لأنه شغل الإنسان بما لا يعنيه وهذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم فيما بعد عدنان من ههنا كذب النسابون. لأنها أحقاب متطاولة ومعالم دارشة لا تثلج الصدور باليقين في شيء منها مع أن علمها لا ينفع وجهلها لا يضر كما نقل والله الهادي إلى الصواب. ولنأخذ الآن في الكلام في أنساب العالم على الجملة ونترك تفصيل كل واحد منها إلى مكانه فنقول: إن النسابين كلهم اتفقوا على أن الأب الأول للخليقة هو آدم عليه السلام كما وقع في التنزيل إلا ما يذكره ضعفاء الإخباريين من أن الحن والطم أمتان كانتا فيما زعموا من قبل آدم وهو ضعيف متروك وليس لدينا من أخبار آدم وذريته إلا مما وقع في المصحف الكريم وهو معروف بين الأئمة. واتفقوا على أن الأرض عمرت بنسله أحقابا وأجيالا بعد أجيال إلى عصر نوح عليه السلام وأنه كان فيهم أنبياء مثل شيث وإدريس وملوك في تلك الأجيال معدودون وطوائف مشهورون بالنحل مثل الكلدانيين ومعناه الموحدون ومثل السريانيين وهم المشركون. وزعموا أن أمم الصابئة منهم وأنهم من ولد صابىء بن لمك بن أخنوخ. وكان نحلتهم في الكواكب والقيام لها كلها واستنزال روحانيتها وأن من حزبهم الكلدانيين أي الموحدين. وقد ألف أبو إسحق الصابي الكاتب مقالة في أنسابهم ونحلتهم. وذكر أخبارهم أيضاً داهر مؤرخ السريانيين و البابا الصابي الحراني وذكروا استيلاءهم على العالم وجملا من نواميسهم. وقد اندرسوا وانقطع أثرهم. وقد يقال أن السريانيين من أهل تلك الأجيال وكذلك النمرود والازدهاق وهو المسمى بالضحاك من ملوك الفرس وليس ذلك بصحيح عند المحققين. واتفقوا على أن الطوفان الذي كان في زمن نوح وبدعوته ذهب بعمران الأرض أجمع بما كان من خراب المعمور ومهلك الذين ركبوا معه في السفينة ولم يعقبوا فصار أهل الأرض كلهم من نسله وعاد أبا ثانيا للخليقة وهو نوح بن لامك ويقال لمك بن متوشلخ بفتح اللام وسكونها ابن خنوخ ويقال أخنوخ ويقال أشنخ ويقال أخنخ وهو إدريس النبي فيما قاله ابن إسحق بن يرد ويقال بيرد بن مهلائيل ويقال ماهلايل بن قاين ويقال قينن بن أنوش ويقال يانش بن شيث بن آدم ومعنى شيث عطية الله هكذا نسبه ابن إسحق وغيره من الأئمة وكذا وقع في التوراة نسبه وليس فيه اختلاف بين الأئمة. ونقل ابن إسحق أن خنوخ الواقع اسمه في هذا النسب هو إدريس النبي صلوات الله عليه وهو خلاف ما عليه الأكثر من النسابين فإن إدريس عندهم ليس بجد لنوح ولا في عمود نسبه وقد زعم الحكماء الأقدمون أيضاً أن إدريس هو هرمس المشهور بالإمامة في الحكمة عندهم. وكذلك يقال: إن الصابئة من ولد صابىء بن لامك وهو أخو نوح عليه السلام. وقيل أن صابىء متوشلخ جده. واعلم أن الخلاف الذي في ضبط هذه الأسماء إنما عرض في مخارج الحروف فإن هذه الأسماء إنما أخذها العرب من أهل التوراة ومخارج الحروف في لغتهم غير مخارجها في لغة العرب فإذا وقع الحرف متوسطاً بين حرفين من لغة العرب فترده العرب تارة إلى هذا وتارة إلى هذا. وكذلك إشباع الحركات قد تحذفه العرب إذا نقلت كلام العجم فمن ههنا اختلف الضبط في هذه الأسماء. واعلم أن الفرس والهند لا يعرفون الطوفان وبعض الفرس يقولون كان ببابل فقط. واعلم أن آدم هو كيومرث وهو نهاية نسبهم فيما يزعمون وأن أفريدون الملك في آبائهم هو نوح وأنه بعص لازدهاق وهو الضحاك فلبسه الملك وقبله كما يذكر بعد في أخبارهم. وقد تترجح صحة هذه الأنساب من التوراة وكذلك قصص الأنبياء الأقدمين إذ أخذت عن مسلمي يهوذا ومن نسخ صحيحة من التوراة يغلب على الظن صحتها. وقد وقعت العناية في التوراة بنسب موسى عليه السلام وإسرائيل وشعوب الأسباط ونسب ما بينهم وبين آدم صلوات الله عليه. والنسب والقصص أمر لا يدخله النسخ فلم يبق إلا تحري النسخ الصحيحة والنقل المعتبر. وأما ما يقال من أن علماءهم بدلوا مواضع من التوراة بحسب أغراضهم في ديانتهم فقد قال ابن عباس على ما نقل عنه البخاري في صحيحه أن ذلك بعيد وقال معاذ الله أن تعمد أمة من الأمم إلى كتابها المنزل على نبيها فتبدله أو ما في معناه قال وإنما بدلوه وحرفوه بالتأويل. ويشهد لذلك قوله تعالى: " وعندهم التوراة فيها حكم الله " ولو بدلوا من التوراة ألفاظها لم يكن عندهم التوراة التي فيها حكم الله. وما وقع في القرآن الكريم من نسبة التحريف والتبديل فيها إليهم فإنما المعني به التأويل اللهم إلا أن يطرقها التبديل في الكلمات على طريق الغفلة وعدم الضبط. وتحريف من لا يحسن الكتابة بنسخها فذلك يمكن في العادة لا سيما وملكهم قد ذهب وجماعتهم انتشرت في الآفاق واستوى الضابط منهم وغير الضابط والعالم والجاهل. ولم يكن وازع يحفظ لهم ذلك لذهاب القدرة بذهاب الملك فتطرق من أجل ذلك إلى صحف التوراة في الغالب تبديل وتحريف غير معتمد من علمائهم وأحبارهم. ويمكن مع ذلك الوقوف على الصحيح منها إذا تحرى القاصد لذلك بالبحث عنه ثم اتفق النسابون ونقلة المفسرين على أن ولد نوح الذين تفرعت الأمم منهم ثلاثة: سام وحام ويافث وقد وقع ذكرهم في التوراة. وأن يافث أكبرهم وحام الأصغر وسام الأوسط. وخرج الطبري في الباب أحاديث مرفوعة بمثل ذلك وأن سام أبو العرب ويافث أبو الروم وحام أبو الحبش والزنج وفي بعضها السودان وفي بعضها: سام أبو العرب وفارس الروم ويافث أبو الترك الصقالبة ويأجوج ومأجوج وحام أبو القبط والسودان والبربر. ومثله عن ابن المسيب ووهب بن منبه. وهذه الأحاديث وإن صحت فإنما الأنساب فيها مجملة ولا بد من نقل ما ذكره المحققون في تفريغ أنساب الأمم من هؤلاء الثلاثة واحداً واحداً. وكذلك نقل الطبري أنه كان لنوح ولد اسمه كنعان وهو الذي هلك في الطوفان. قال: وتسميه العرب يام وآخر مات قبل الطوفان اسمه عابر. وقال هشام: كان له ولد اسمه بوناطر والعقب إنما هو من الثلاثة على ما أجمع عليه الناس وصحت به الأخبار. فأما سام فمن ولده العرب على اختلافهم وإبراهيم وبنوه صلوات الله عليهم باتفاق النسابين. والخلاف بينهم إنما هو في تفاريع ذلك أو في نسب غير العرب إلى سام. فالذي نقله ابن إسحق: أن سام بن نوح كان له من الولد خمسة وهم أرفخشذ ولاوذ وإرم وأشوذ وغليم. وكذا وقع ذكر هذه الخمسة في التوراة وأن بني أشوذ هم أهل الموصل وبني غليم أهل خوزستان ومنها الأهواز. ولم يذكر في التوراة ولد لاوذ. وقال ابن إسحق: وكان للاوذ أربعة من الولد: وهم طسم وعمليق وجرجان وفارس. قال: ومن العماليق أمة جاسم. فمنهم بنو لف وبنو هزان وبنو مطر وبنو الأزرق. ومنهم بديل وراحل وظفار. ومنهم الكنعانيون وبرابرة الشام وفراعنة مصر. وعن غير ابن إسحق أن عبد بن ضخم وأميم من ولد لاوذ. قال ابن إسحق: وكان طسم والعماليق وأميم وجاسم يتكلمون بالعربية وفارس يجاورونهم إلى المشرق ويتكلمون بالفارسية. قال وولد إرم: عوص وكاثر وعبيل ومن ولد عوص عاد ومنزلهم بالرمال والأحقاف إلى حضرموت. ومن ولد كاثر ثمود وجديس ومنزل ثمود بالحجر بين الشام والحجاز. وقال هشام بن الكلبي: عبيل بن عوس أخو عاد. وقال ابن حزم عن قدماء النسابين: إن لاوذ هو ابن إرم بن سام أخو عوص وكاثر. قال فعلى هذا يكون جديس ثمود أخوين وطسم وعملاق أخوين أبناء عم لحام وكلهم بنو عم عاد. قال ويذكرون عبد بن ضخم بن إرم وأن أميم بن لاوذ بن إرم. قال الطبري: وفهم الله لسان العربية عادا وثمود وعبيل وطسم وجديس وأميم وعمليق وهم العرب العاربة. وربما يقال: إن من العرب العاربة يقطن أيضاً ويسمون أيضاً العرب البائدة ولم يبق على وجه الأرض منهم أحد. قال وكان يقال عاد إرم فلما هلكوا قيل ثمود إرم ثم هلكوا فقيل لسائر ولد إرم أرمان وهم النبط وقال هشام بن محمد الكلبي: إن النبط بنو نبيط بن ماش بن إرم والسريان بنو سريان بن نبط. وذكر أيضاً أن فارس من ولد أشوذ بن سام وقال فيه فارس بن طبراش بن أشوذ وقيل أنهم من أميم بن لاوذ وقيل ابن غليم. وفي التوراة: ذكر ملك الأهواز واسمه كرد لا عمرو من بني غليم والأهواز متصلة ببلاد فارس. فلعل هذا القائل ظن أن أهل أهواز هم فارس والصحيح أنهم من ولد يافث كما يذكر. وقال أيضاً إن البربر من ولد عمليق بن لاوذ وأنهم بنو تميلة من مأرب بن قاران بن عمر بن عمليق والصحيح أنهم من كنعان بن حام كما يذكر. وذكر في التوراة ولد إرم أربعة: عوص وكاثر وماش ويقال مشح والرابع حول. ولم يقع عند بني إسرائيل في تفسير هذا شيء إلا أن الجرامقة من ولد كاثر. وقد قيل أن الكرف والديلم من العرب وهو قول مرغوب عنه. وقال ابن سعيد كان لأشوذ أربعة من الولد: إيران ونبيط وجرموق وباسل. فمن إيران الفرس والكرد والخزر ومن نبيط النبط والسريان ومن جرموق الجرامقة وأهل الموصل ومن باسل الديلم وأهل الجبل. قال الطبري: ومن ولد أرفخشذ العبرانيون وبنو عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهكذا نسبه في التوراة. وفي غيره أن شالخ بن قينن بن أرفخشذ وإنما لم يذكر قينن في التوراة لأنه كان ساحرا وادعى الألوهية. وعند بعضهم أن النمروذ من ولد أرفخشذ وهو ضعيف. وفي التوراة أن عابر ولد اثنين من الولد هما فالغ ويقطن وعند المحققين من النسابة أن يقطن هو قحطان عربته العرب هكذا. ومن فالغ إبراهيم عليه السلام وشعوبه ويأتي ذكرهم. ومن يقطن شعوب كثيرة. ففي التوراة ذكر ثلاثة من الولد له وهم: المرذاذ ومعربه ومضاض وهم جرهم وإرم وهم حضور وسالف وهم أهل السلفات وسبا وهم أهل اليمن من حمير والتبابعة وكهلان وهدرماوت وهم حضرموت. هؤلاء خمسة وثمانية أخرى ننقل أسماءهم وهي عبرانية ولم نقف على تفسير شيء منها ولا يعلم من أي البطون هم وهم: بباراح وأوزال ودفلا وعوثال وأفيمايل وأيوفير وحويلا ويوفاف وعند النسابين أن جرهم من ولد يقطن فلا أدري من أيهم. وقال هشام ابن الكلبي إن الهند والسند من نوفير بن يقطن والله أعلم. وأما يافث فمن ولده الترك والصين والصقالبة ويأجوج ومأجوج باتفاق من النسابين. وفي آخرين خلاف كما يذكر. وكان له من الولد على ما وقع في التوراة سبعة: وهم كومر وياوان وماذاي وماغوغ وقطوبال وماشخ وطيراش وعدهم ابن إسحق هكذا وحذف ماذاي ولم يذكر كومر وتوغرما وأشبان وريغاث هكذا في نص التوراة. ووقع في الإسرائيليات أن توغرما هم الخزر وأن أشبان هم الصقالبة وأن ريغاث هم الإفرنج ويقال لهم برنسوس والخزر هم التركمان وشعوب الترك كلهم من بني كومز ولم يذكروا من أي الثلاثة هم. والظاهر أنهم من توغرما. ونسبهم ابن سعيد إلى الترك بن عامور بن سويل بن يافث. والظاهر أنه غلط وأن عامور هو كومر صحف عليه. وهم أجناس كثيرة منهم الطغرغر وهم التتر والخطا وكانوا بأرض طغماج والخزلقية والغز الذين كان منهم السلجوقية والهياطلة الذين كان منهم الخلج ويقال للهياطلة الصغد أيضاً. ومن أجناس الترك الغور والخزر والقفجاق ويقال الخفشاخ ومنهم يمك والعلان ويقال الأزو منهم الشركس وأزكش ومن ماغوغ عند الإسرائيليين يأجوج ومأجوج. وقال ابن إسحاق: إنهم من كومر ومن مازاي الديلم ويسمون في اللسان العبراني ماهان. ومنهم أيضاً همذان وجعلهم بعض الإسرائيليين من بني همذان بن يافث وعد همذان ثامنا للسبعة المذكورين من ولده. وأما ياوان واسمه يونان فعند الإسرائيليين إنه كان له من الولد أربعة وهم داود بن واليشا وكيتم وترشيش وأن كيتم من هؤلاء الأربعة هو أبو الروم والباقي يونان وأن ترشيش أهل طرسوس. وأما قطوبال فهم أهل الصين من المشرق والليمان من المغرب. ويقال إن أهل إفريقية قبل البربر منهم وأن الإفرنج أيضاً منهم. ويقال أيضاً إن أهل الأندلس قديما منهم وأما ماشخ فكان ولده عند الإسرائيليين بخراسان وقد انقرضوا لهذا العهد فيما يظهر وعند بعض النسابين أن الأشبان منهم. وأما طيراش فهم الفرس عند الإسرائيليين وربما قال غيرهم إنهم من كومر وإن الخزر والترك من طيراش وإن الصقالبة وبرجان والأشبان من ياوان وإن يأجوج من كومر وهي كلها مزاعم بعيدة عن الصواب. وقال أهروشيوش مؤرخ الروم إن القوط واللطين من ماغوغ. وهذا آخر الكلام في أنساب يافث. وأما حام فمن ولده السودان والهند والسند والقبط وكنعان باتفاق. وفي آخرين خلاف نذكره وكان له على ما وقع في التوراة أربعة من الولد وهم: مصر ويقول بعضهم مصرايم وكنعان وكوش وقوط. فمن ولد مصر عند الإسرائيليين فتروسيم وكسلوحيم. ووقع في التوراة فلشنين منهما معا ولم يتعين من أحدهما وبنو فلشنين الذين كان منهم جالوت. ومن ولد مصر عندهم كفتورع ويقولون هم أهل دمياط. ووقع: الأنقلوس ابن أخت قيطش الذي خرب القدس في الجولة الكبرى على اليهود. قال أن كفتورع هو قبطقاي. ويظهر من هذه الصيغة أنهم القبط لما بين الاسمين من الشبه. ومن ولد مصر عناميم وكان لهم نواحي إسكندرية وهم أيضاً بفتوحيم ولوديم ولهابيم. ولم يقع إلينا تفسير هذه الأسماء. وأما كنعان بن حام فذكر من ولده في التوراة أحد عشر منهم صيدون ولهم ناحية صيدا وإيموري وكرساش وكانوا بالشام وانتقلوا عندما غلبهم عليه يوشع إلى إفريقية فأقاموا بها. ومن كنعان أيضاً بيوسا وكانوا ببيت المقدس وهربوا أمام داود عليه السلام حين غلبهم عليه إلى إفريقية والمغرب وأقاموا بها. والظاهر أن البربر من هؤلاء المنتقلين أولاً واخراً. إلا أن المحققين من نسابتهم على أنهم من ولد مازيغ بن كنعان فلعل مازيغ ينتسب إلى هؤلاء. ومن كنعان أيضاً حيث الذين كان ملكهم عوج بن عناق. ومنهم عرفان وأروادي وخوي ولهم نابلس وسبا ولهم طرابلس وضمارى ولهم حمص وحما ولهم أنطاكية. وكانت تسمى حما باسمهم. وأما كوش بن حام فذكر له في التوراة خمسة من الولد وهم سفنا وسبا وجويلا ورعما وسفخا ومن ولد رعما شاو وهيم السند ودادان وهم الهند. وفيها أن النمروذ من ولد كوش ولم يعينه. وفي تفاسيرها أن جويلا زويلة وهم أهل برقة. وأما أهل اليمن فمن ولد سبا وأما قوط فعند أكثر الإسرائيليين أن القبط منهم. ونقل الطبري عن ابن إسحق أن الهند والسند والحبشة من بني السودان من ولد كوش. وأن النوبة وفزان وزغاوة والزنج منهم من كنعان. وقال ابن سعيد: أجناس السودان كلهم من ولد حام ونسب ثلاثة منهم إلى ثلاثة سماهم من ولده غير هؤلاء: الحبشة إلى حبش والنوبة إلى نوابة أو نوى والزنج إلى زنج ولم يسم أحدا من آباء الأجناس الباقية وهؤلاء الثلاثة الذين ذكروا لم يعرفوا من ولد حام فلعلهم وقال هشام بن محمد الكلبي: إن النمروذ هو ابن كوش بن كنعان. أهروشيوش مؤرخ الروم: إن سبا وأهل إفريقية يعني البربر من جويلا بن كوش ويسمى يضول. وهذا والله أعلم غلط لأنه مر أن يضول في التوراة من ولد يافث ولذلك ذكر أن حبشة المغرب من دادان بن رعما من ولد مصر بن حسام بنو قبط بن لاب بن مصر. انتهى الكلام في بني حام. وهذا آخر الكلام في أنساب أمم العالم على الجملة والخلاف الذي في تفاصيلها يذكر في أماكنه والله ولي العون والتوفيق.
|